التسويق الرياضي.. ما بين الترند والبراند.. هل يحقق المطلوب؟
كتب : سيد علي
الأحد، 12 مارس 2023 04:15 م
باتت الرياضة المصرية تشهد تطور كبير خلال العشر سنوات الأخيرة، خاصة بعد الاهتمام الكبير من قبل القيادة السياسية في مصر بالملف الرياضي كاملاً وبكل الرياضات الفردية والجماعية للأسوياء وذوي القدرات الخاصة.
الدولة المصرية بدأت خطوات سريعة وتصاعدية في التطوير والبناء، بداية من توفير البنية التحتية المتكاملة لدعم الرياضة بإنشاء صالات وملاعب رياضية مختلفة ومتنوعة ومتعددة الاستخدام آخرها وأبرزها مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية حلم الذي أصبح واقعاً، وباتت مصر تمتلك واحد من أبرز المدن الرياضية العالمية المتكاملة على أرضها.
ولم تكتفي مصر بالانشاء فقط والبنية التحتية، بل أقامت مشروعات قومية للكشف عن الموهوبين ورعايتهم، وإعدادهم بالشكل الأمثل في كل محافظات مصر دون أي استثناء والهدف الرئيسي هو الانتقاء من أجل المستقبل، من أبرز تلك المشاريع القومية هو "المشروع القومي للموهبة والبطل الأولمبي".
وكانت تعاني الرياضات الفردية والجماعية باستثناء كرة القدم منذ فترات من التمويل الشحيح، فتمويل الدولة المصرية والقادم من وزارة الرياضة لا يغطي بشكل كامل كل الالتزامات الخاصة بالاتحادات وأبطالها وهنا شهدنا ظهور فكر جديد وعملي بشكل كبير وهو تمويل الرياضيين عن طريق التسويق الرياضي.
ودعمت وزارة الرياضة التسويق الرياضي بشكل كبير وشهد الوسط الرياضي ظهور أكثر من شركة متخصصة في التسويق الرياضي، والهدف الرئيسي من تلك الشركات هو دعم الرياضيين والأبطال في كل الاتحادات الرياضية، من أجل اتاحة فرصة أكثر للتمويل للاعبين حتى يتم توفير كل المتطلبات التي يحتاجها اللاعبون والتي تشمل معسكرات اعداد، ونفقات شخصية، وأجهزة ومستلزمات رياضية ضرورية للاعبين في كل رياضة، والتأهيل في حالة الإصابة والمتابعة بشكل سليم للرياضي حتى يتثنى له تحقيق ميدالية عالمية تكتب باسمه وباسم مصر في النهاية.
ظهور المنافسة في التسويق الرياضي:
ومن هنا بدأت شركات التسويق الرياضي المنافسة والعمل بشكل قوي من أجل التوقيع مع الأبطال في كل رياضة، وبدأت سياسة الاستحواذ في الظهور بشكل قوي بين الشركات المتنافسة، وترغب الشركات بشكل قوي في جلب أكبر عدد ممكن من اللاعبين وخاصة الأبطال لسببين الأول هو القوة في العرض على المعلنين وجلب الرعايات، الثاني هو الاستثمار الرياضي والمكسب فهذه الشركات تتحمل تكاليف باهظة في إعداد لاعبيه ودعمهم منذ اليوم الأول من التوقيع معهم، فكل لاعب يوضع له برامج معينة من أجل إعداده وتكون الشركة ملزمة بدفع رواتب كبيرة سواء للاعبين أو المدربين أو المشرفين الذين يتابعون هؤلاء اللاعبين.
التكاليف الكبيرة جعلت الشركات تضع أعينها على الأبطال فقط من أجل ضمان المكسب القريب دون النظر إلى بناء المستقبل، ونسيت الشركات المسوقة للاعبين الهدف الرئيسي منها وهو تأهيل واستكشاف نجوم جدد، مما جعل المنافسة محتدمة بين الشركات المختلفة على نجوم الصف الأول من الرياضيين.
التسويق الرياضي بين الترند والبراند:
وقعت العديد من شركات التسويق الرياضي مع نجوم الصف الأول في معظم الرياضات، ونشهد كل فترة تجديد تعاقد مع نجم أو بطل أولمبي من أجل مواصلة تسويقه ورعايته، وهنا تكمن أزمة الترند والبراند، فمعظم الشركات لا تنظر سوى للأبطال المعروفين من أجل تسويقهم وضمان مكسب قريب سهل، وهي علاقة تبادل منفعة، بين الشركة التي ترغب في المكسب واللاعب الذي يريد مواصلة تصدر المشهد، ولكن هل تعي تلك الشركات أنها تناست الدور الرئيسي منها وهو دعم واكتشاف المواهب في مصر، وليس مواصلة دعم نفس الأبطال، دون إخراج جيل جديد ؟.
فبعض الرياضيين فرصهم تكاد تكون معدومة في تحقيق ميداليات في المحافل الدولية والأولمبية المقبلة وتواصل الشركات دعمهم، دون النظر إلى لاعبين آخرين يجب أن يحصلوا على نفس هذا الدعم، ولكن مشكلة "الترند" تجعل إدارة الشركات لاتنظر للاعبين الشباب سوى في حالة تحقيق نتائج قوية وشاهدنا ذلك في أولمبياد طوكيو الأخيرة، حيث تم تسويق أكثر من لاعب بعد أن لم يكن لديه أي راعي مما يؤكد أن الشركات لاتنظر سوى للنتائج القوية، وليس لديها خطة واضحة في اكتشاف نجوم جدد، ولكن على الرغم من الندرة لكن توجد شركات تدعم لاعبين صغار وتحاول أن تضعهم على الطريق الصحيح، من أجل أن يكونوا أبطال عالم في مجالاتهم وتحقيق الحلم الأكبر لأي رياضي وهو ميدالية أولمبية.
أزمات التسويق الرياضي وعقود اللاعبين:
في بعض الحالات ظهرت خلافات كبيرة بين اللاعبين والشركات المسوقة سواء بسبب عدم دفع مستحقات اللاعبين وفق العقود الموقعه، أو عدم تنفيذ البرامج الإعدادية المتفق عليها في وقت سابق، وهو ما يضع اللاعب في أزمة سواء مع اتحاده الرياضي أو مع الشركة المسوقة، فلا يجد سبيل أمامه سوى وزارة الرياضة من أجل حل أزمته وهو الأمر الذي تكرر بشكل واضح خلال الفترات الأخيرة.
وتوجد بعض العقود بها بنود صعبة أن يتحملها اللاعب، ولكن لا يجد أمامه سوى الموافقة من أجل أن يتم رعايته وتوفير ما يريده لتحقيق هدفه في النهاية والوقوف على منصات التتويج العالمية.
الأمر الذي تحول سريعاً بشكل عكسي على بعض اللاعبين وأثر بالسلب على مستوياتهم الفنية، وقرر بعض اللاعبين فسخ تلك العقود، والبعض الآخر قرر تغيير الشركة الراعية له، من أجل التوقيع على عقود جديدة لا تحتوي بنودها على قيود صعبة على اللاعب ستكون صعبة على بعض اللاعبين.
وفي الجانب الآخر نشهد أيضاً عدم إلتزام بعض اللاعبين بعقودهم مع الشركات الراعية، ويقومون بمخالفة شروط التعاقد وهو ما يجعل الشركات الراعية تقوم بإجراءات رادعة على اللاعب أو اللاعبة ويفرض عليه غرامات من قيمة تعاقده، مما يزيد المشاكل.
ومن أبرز الأزمات بالطبع أن كل الشركات لاتنظر سوى للنجوم دون النظر للناشئين والناشئات الذين يحتاجون الدعم والرعاية أكثر من أي شخص آخر في هذه الفئات السنية، ويجب أن يكون لهم حقوق في الرعاية ووضعهم في الحسبان بشكل قوي لأن هم المستقبل وإن أردنا مواصلة النجاح يجب أن نحافظ على قاعدة الناشئين ودعمها بالشكل الأمثل.
وفي معظم أزمات اللاعبين كان الواضح هو عدم وجود طرف ثالث بين اللاعب والشركة الراعية، يضمن حقوق اللاعب وواجباته في التعاقد مع أي شركة، وفي نفس الوقت يحافظ على حقوق الشركة الراعية ويكون طرف محايد بين اللاعب والشركة الراعية، وهو الدور الذي تحاول أن تلعبه وزارة الرياضة المصرية، ولكن ليس بصفة رسمية إلى الآن، حيث يجب أن يكون هذا الطرف أيضاً موضوع في الصورة بشكل كامل ويعرض عليه عقد اللاعب ويقرب وجهات النظر بين اللاعب والشركة بشكل كامل، حتى يتسنى لنا تحقيق الهدف الرئيسي وهو دعم ورعاية أبطال مصر.
حلول متوقعة لتحقيق أهداف الرياضيين وحماية حقوق الشركات:
وفي عرض وتحليل أي قضية يجب أن تطرح حلول، وهنا سنطرح أربعة حلول لهذه القضية من أجل الحفاظ على حقوق الشركات الراعية وتحقيق أهداف الرياضة المصرية واللاعبين:
أولاً يجب أن تكون للاتحادات الرياضية دور قوي في تسويق لاعبيها، أو على الأقل عرض اللاعبين بشكل دوري وفق الحاجة على شركات التسويق الرياضي، في الاتحادات الرياضية المختلفة هي الأقرب للاعبيها من أي جهة أخرى، حيث هي من تهتم باللاعب منذ صغره، وتكون على دراية كاملة بقدراته وتعلم ماذا يحتاج كل كلاعب للدعم والرعاية.
ثانياً أن يتم وضع سن محدد في كل رياضة في عقود اللاعبين، حيث أنه هناك رياضات تكون تحقيق النتائج بها من قطاع الناشئين والشباب في الأعمار المتوسطة والصغيرة، أكثر من اللاعبين صاحبي الأعمار الكبيرة، مثال على هذه الرياضات مثل رياضة الجمباز التي تحتاج دائما إلى أن يكون سن اللاعب صغير بجانب أيضاً رياضة مثل السباحة مع الوضع في الحسبان أن لك قاعدة شواذ ويوجب أبطال لا يعيقهم السن.
ثالثاً يتم وضع عدد محدد من اللاعبين الناشئين لكل شركة من أجل رعايتهم وفق رؤية الاتحادات الرياضية ورؤية الشركة المسوقة أيضاً حتى يتم تحقيق أهداف كل الأطراف المعنية، بمعنى أن كل شركة تدخل مجال التسويق الرياضي يكون لديها على الأقل 10 أسماء من الاتحادات المختلفة أو من المشروع القومي للموهبة والبطل الأولمبي، ويكون للشركة التي تستحوذ على أكثر عدد من الناشئين مزايا أخرى تحصل عليها من وزارة الرياضة على سبيل المثال دعم هذه الشركة وأن تسهل عليها التوقيع مع نجوم الرياضات المختلفة.
رابعاً أن يكون لإدارة رعاية الأبطال في وزارة الشباب والرياضة دور وأن تكون هذه الإدارة هي الطرف الثالث، الذي يتواجد في الصورة من أجل أن يكون هو المراقب على إلتزام اللاعب والشركة الراعية، كما أن تتولى هذه الإدارة توزيع وعرض اللاعبين الصغار والناشئين على الشركات الراعية من أجل أن يتم رعايتهم ودعمهم بالشكل الأمثل، وأن تبدأ الرعاية منذ السن الأصغر لهم وليس حين يحقق اللاعب نتائج قوية، لكن يجب أن يكون لإدارة رعاية الأبطال بوزارة الرياضة، الدور التنسيقي الكامل بين الاتحادات والشركات واللاعبين، وتجهز هذه الإدارة بشكل دوري قوائم في كل اتحاد باللاعبين المتوقع لهم تحقيق نتائج كبيرة في المستقبل، وهذا يكون وفق نتائجهم في البطولات المحلية وبطولات الشباب العالمية والقارية.
وفي النهاية لا ننسى على الإطلاق الدور الكبير الذي حققته شركات التسويق الرياضي في دعم ورعاية الأبطال الأولمبيين وغير الأولمبيين، والتطور الكبير الذي شهدته الرياضة في مصر بعد دورهم الكبير خلال السنوات الأخيرة، لكن يجب أن نصل لأعلى معدل من الاستفادة من كل فكرة أو مشروع للدولة المصرية، حتى نحقق الهدف الرئيسي لمصر في الرياضة، وهو التواجد الدائم في المستقبل على كافة منصات التتويج في كل الرياضات المختلفة.
وتعمل الدولة المصرية جاهدة على توفير كل أساسيات النجاح للرياضيين بالبنية التحتية الجبارة التي وفرتها مصر في معظم المحافظات، وباستضافة أكبر واٌقوى البطولات العالمية حتى توفر لأبطالنا فرصة أكبر في الاحتكاك مع أبطال العالم في كل رياضة ، والدعم الإعلامي الكبير لكل الرياضات الفردية والجماعية، من أجل توفير الدعم الجماهيري ونشر الرياضات المختلفة بالشكل المطلوب.