رحلة ميسي.. عندما تسبب "منديل" في قلب موازين كرة القدم

كتب : إبراهيم جاد

الجمعة، 24 يونيو 2022 08:24 م

shareicon

مشاركه

ليونيل ميسي

ليونيل ميسي

"الطريقة المثالية لإيقاف ميسي هو وضعه في قفص" هكذا صرح المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو عن الأرجنتيني ليونيل ميسي، بكلمات تعبر بالمعنى الحرفي عن مسيرته الكروية التي تجعله فريدًا من نوعه، وصاحب نقلة نوعية في تاريخ كرة القدم.

يُكمل اليوم النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي عامه الـ35، في مسيرة مليئة بالإنجازات الفردية والجماعية، والأرقام التي لم يتمكن أي لاعب تحقيقها، ليكون نقطة تحول في تاريخ كرة القدم وقلب موازينها رأسًا على عقب.

"المنديل" الذي غير مسيرة كرة القدم

جاء يوم 24 من شهر يونيو عام 1987 ليكون نقطة تحول في تاريخ كرة القدم، لكن أحدًا لم يدرك ذلك حينها، بعدما وُلد طفل صغير يٌدعى ليونيل في أسرة فقيرة بأحد أحياء روزاريو بالأرجنتين، ليكون ثالث أبناء خورخي ميسي، الذي كان يعمل مشرفًا في مصنع الصلب.

وفُتن ليونيل خورخي ميسي بلعبة كرة القدم منذ نعومة أظافره، إذ أنه نشأ ضمن أسرة محبة لكرة القدم، ولكنه كان فريدًا منذ أن لمست قدميه كرة القدم في شوارع روزاريو، ليفلت أنظار الجميع له في هذه المنطقة الشعبية.

وحينما بلغ السادسة من عمره، انضم الطفل ليونيل إلى نادي أولد بويز، لتنفجر موهبة الفتى الصغير ويذيع صيته في أنحاء الأرجنتين، مما دفع نادي ريفر بيليت يحاول التعاقد معه في سن صغير، ولكن والديه فضل أن يستمر أولد بويز وعدم الانتقال لريفر بيليت.

وفي حين حان يتنبأ الجميع بمسيرة حافلة للطفل الصغير، ليونيل تلقت أسرة خورخي ميسي صدمة مدوية بعدما بلغ عامه الحادي عشر، بعدما تم إبلاغهم بأنه يعاني من نقص في هرمون النمو ويحتاج إلى حوالي ألف دولار شهريًا لعلاجه.

أسرة خورخي ميسي لم تكن تملك هذا المبلغ شهريًا لعلاج الطفل الصغير وتخلت عنده الأندية الأرجنتينه ورفضت دفع هذا المبلغ لفتى صغير في بداية مسيرته الكروية، لذلك تم الاتفاق مع وكيل لاعبين يُدعى هوراسيو جاجيولي، وكان صديقًا للعائلة، على تسويقه في الخارج وتحديدًا إسبانيا.

جاجيولي كان سيسافر إلى مدريد مطلع عام 2000، وكان ينوي عرضه على ناديي ريال مدريد وأتلتيكو مدريد، لكن رحلة العمل الخاصة به تحولت إلى إقليم كتالونيا، ليقوم وكيل اللاعبين بعرضه على نادي برشلونة.

حدث انقسام داخل إدارة برشلونة على دفع هذا المبلغ الكبير للاعب في سن الـ13 عامًا فقط، وطالبوا بمشاركته في بعض الاختبارات الخاصة بالنادي، وهو ما حدث بالفعل وتم تصوير هذه الاختبارات والمباريات التجريبية، قبل أن يعود ليو مجددًا رفقة والده إلى روزاريو.

وسرد جاجيولي تفاصيل المفاوضات بين برشلونة والطفل الصغير، ليو: "صفقة الفتى الأرجنتيني قد تكون مخاطرة، طفل صغير يعاني من مرض يؤثر على نموه، من الطبيعي أن يخشى أي نادي التعاقد معه ودفع هذا المبلغ كل شهر".

تأخر حسم برشلونة للتعاقد مع ميسي، فطلب الوكيل جاجيولي الاجتماع مع رئيس برشلونة حينها، السكرتير الفني للنادي الإسباني حينها كارلوس ريكساش، ووكيل اللاعبين الشهير جوسيب مينجولا في أحد المطاعم، ليقوم الثلاثي بمشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بليو أثناء خوضه الاختبارات مع أكاديمية برشلونة.

وعلى الفور أعلن السكرتير الفني لبرشلونة تمسكه بضم ميسي، ولم ينتظر حتى يعود إلى النادي بل قام بسحب أحد المناديل المتواجدة على الطاولة، وكتب صيغة عقد تربط النادي الكتالوني مع ميسي على "المنديل" وتم تسليمه للوكيل جاجيولي حتى يتم توثيق عقدًا رسميًا خاصةً بإدارة النادي، لتبدأ هنا رحلة ليو ميسي الذي قلبت موازين كرة القدم.

الخجل عائق أمام مسيرة ميسي

عانى ليونيل ميسي في بدايته مع نادي برشلونة في سن الـ13 عامًا، وذلك بسبب خجله الكبير وعدم قدرته على التفاعل اجتماعيًا مع المحيط به، إذ تحدث وكيله عن بدايته قائلًا: "ليونيل كان يتحدث بقدمه فقط في بدايته مع برشلونة".

ولكن مع مرور الأيام، كون ليونيل ميسي صداقة مع الثلاثي، سيسك فابريجاس وجيرارد بيكيه إضافة إلى توني كالفو والذين ساعدوه بعد ذلك على التأقلم مع أجواء برشلونة وانفجار موهبته الكبيرة.

ولعل هذه الأزمة الأكبر التي يعاني منها ليونيل ميسي في الوقت الحالي مع باريس سان جيرمان، كونه شخص خجول ولا يستطيع التأقلم سريعًا مع المجتمعات الحديثة، وهو ما يظهره كـ"غريب" حاليًا ضمن صفوف النادي العاصمي، ويؤثر عليه بشكل واضح في الموسم الوحيد مع باريس، والذي سنستثناه من حديثنا عن ميسي الخارق.

3 سنوات، أثبت خلالها ليونيل ميسي موهبته الفذة ضمن صفوف نادي برشلونة، مما دفع فرانك ريكارد استدعاءه لمعسكر الفريق الكتالوني وهو في عمر الـ16 عامًا فقط.

وفي مباراة ودية جمعت بين برشلونة وبورتو البرتغالي، قرر ريكارد الدفع بميسي وهو في عمر الـ16 كبديل في الدقيقة 71 على حساب فيرناندو نافارو، ليكتب ظهوره الأول مع الفريق الكتالوني.

وجاء شهر أكتوبر من عام 2004، ليظهر النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي في أول مباراة رسمية له مع نادي برشلونة أمام إسبانيول، بعدما دخل بديلًا للبرتغالي ديكو، لتبدأ مسيرة البرغوث الأرجنتيني الذي حول مسار الكرة.

الفضائي الذي حول موازين الكرة

دخول ليونيل ميسي إلى عالم كرة القدم قلب الموازين، وجعل الكفة غير متوازنة على الإطلاق بعدما رجح كفة فريقه دائمًا بفضل ما يمتلكه من قدرات فردية غير عادية تجعل فريقه دائمًا متفوقًا على أي خصم مهما كان.

وهنا سنستخدم تصريحات أنطونيو كونتي قبل مواجهة برشلونة في إحدى المباريات، حول طريقة إيقاف ميسي، قائلًا: "حتى نستطيع إيقاف ميسي يجب علينا استخدام المسدس أو البندقية فقط".

وسنستشهد هنا بأحد أعظم مواسم أي لاعب في كرة القدم فرديًا، وهو موسم ليونيل ميسي (2012/2013) حينما سجل في بطولة الدوري الإسباني 42 هدفًا -بدون ركلات ترجيح-.

وبالنظر إلى هذا الموسم، سنجد أن الأهداف المتوقع أن يسجلها ميسي (XG) خلال ذلك الموسم من الدوري الإسباني كان حوالي 17.8 هدفًا فقط، لنجد أن النجم الأرجنتيني قد يسجل 42 هدفًا.

أرقام تكشف لنا فارق الجودة الضخم الذي يوفره الأسطورة الأرجنتيني ميسي، ويصنع الفارق ليصل إلى تسجيله من "اللا فرصة" بدرجة تصل إلى تسجيل أكثر من ضعف الأهداف المتوقعة في أحد المواسم.

وبعد رحيل ليونيل ميسي عن برشلونة، قامت إحدى شركات تحليل الأداء والإحصائيات بتجميع 2283 تسديدة لليو في الدوري الإسباني، لنجد أن احتمالية تسجيله هذا الكم الذي وصل له من الأهداف يبلغ 0.0000000015 فقط.

ميسي كسر حاجز كافة الأرقام القياسية الممكنة، وتخطى كافة العوامل المؤثرة على لاعب كرة القدم لتحديد الأهداف المتوقعة "XG" فيما يخص اللاعبين المحاصرين لحامل الكرة، وتمركزه في الملعب والبعد عن المرمى، كل هذه العوامل كانت عبارة عن "شكليات" غير مهمة لليونيل ميسي على الإطلاق.

كفاءة ميسي لم تقتصر فقط على إنهاءه للهجمة على مرمى الخصوم ولمسته الأخيرة، بل إنها اللقطة الأخيرة فقط، والذي يسبقها المرور من أي خصم مهما كانت صعوبته بسهولة "مستفزة" تجعلك تشعر وكأن ليو لم يقم بذلك بصعوبة تذكر.

وأفضل من وصف إمكانية ليونيل ميسي في المرور من الخصوم مهما كان عددهم أو صعوبة مواجهتهم، ما قاله المعلق الرياضي علي سعيد الكعبي معلقًا على إحدى أهدافه بعد المرور من أكثر من لاعب: "هذا اللي يقولون عليه، قاتل يراقص موتاه".

وخلال الخريطة الحرارية التالية سوف نرى كثافة مرور ليونيل ميسي الناجح من الخصم بحسب ما نشر "The Athletic"، وهو ما يوضح ضخامة التفوق الفردي للبرغوث الأرجنتيني على منافسيه فرديًا في المواجهات المباشرة.

"المنديل" الذي كُتب عليه عقد ليونيل ميسي الأول للانضمام إلى أكاديمية برشلونة، والذي رفض وكيله بيعه بمئات الآلاف من الدولارات وظل محتفظًا به، كان بداية تغير موازين كرة القدم، والمؤكد أن كرة القدم ما قبل ميسي لم تعد كما ستكون بعده على الإطلاق.